Notes


قصيدة " فلسفة الحياة " لإيليا أبي ماضي:
قيثارة التفاؤل والتفكير الإيجابي
سهيل . بي.ك
أستاذ مساعد،قسم العربية،الكلية الحكومية، كاسركوت،كيرلا، الهند

ولا شك أن الدراسات والمناقشات حول التفاؤل والتفكير الإيجابي من بنات الوقت الراهن حيث أولع فيها علماء النفس من كل البلاد طبق تطور علم النفس بجميع فروعها. فظهرت أصول ومبادئ كما وضعت النظريات والإتجاهات الخاصة بها.فان الاهتمام بمفهومي (التفاؤل والتشاؤم) ودراستهما بشكل مفصل في إطار علم النفس لم يحدث بشكل منظم إلا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي .فقد نشرت آنذاك دراسات قليلة ومتفرقة حتى ظهر أول كتاب أسهم في بلورة هذا المجال ، وكان تحت عنوان " التفاؤل : بيولوجية الأمل "صاحبه " تايجر "(١) (Tiger ١٩٧٩)، ثم تزايدت البحوث زيادة مضطردة . هذا على المستوى العالمي ، أما على المستوى العربي فإن الاهتمام بالتفاؤل والتشاؤم فيما نعلم قد بدأ في العام ١٩٩٥ فقط .ثم خضع موضوع التفاؤل والتشاؤم إلى عدد من الدراسات والأبحاث والآراء النظرية المختلفة فــي دول متعددة (٢). ولكن مما يجلب الدهشة والغرابة أن شاعرا من شعراء المهجر يسمى ‘ إيليا أبو ماضي’ قد سبق إلى مثل تلك المبادئ ودعا الناس إلى التفاؤل في الحياة.

مفهوم التفاؤل والتفكير الإيجابي

التــفاؤل: من الفأل، وهو قول أو فعل يستبشر به، (٣).والتفكير الايجابي هو التفاؤل بكل ما تحمله هذه الكلمه من معنى ، و النظر الى الجميل في كل شيء.
ومن منظور علم النفس توجد تعريفات عديدة للتفاؤل. منها ما يلي:
التفاؤل :النظرة الإيجابية و الإقبال على الحياة، والاعتقاد باحتمال حدوث الخير أو الجانب الجيد من الأشياء، بدلا من حدوث الجانب السيئ ،كما أن التفاؤل استعداد يكمن داخل الفرد الواحد، يتركز في التوقع العام لحدوث الأشياء الجيدة أو الإيجابية، أي توقع النتائج الإيجابية للأحداث القادمة (كارفر Carver) (٤)
        التفاؤل نظرة استبشار نحو المستقبل، تجعل الفرد يتوقع الأفضل،وينتظر حدوث الخير،ويرنو إلى النجاح ويستبعد ما خلا ذلك (  د بدر محمد الأنصاري )(٥)

ضرورية التفاؤل في الحياة

        يؤثر التفاؤل  في تشكيل سلوك  الفرد، وعلاقاته  الاجتماعية  وصحته النفسية والجسمية، فالمتفائل  يتوقع الخير  والسرور والنجاح، وينجح  في تحقيق  التوافق النفسي  والاجتماعي، وينظر إلى  الحياة بمنظار  إيجابي  ويكون أكثر إشراقا  واستبشارا بالمستقبل  وبما حوله، ويتمتع  بصحة نفسية وجسمية جيدة. كثير من الدراسات الشاملة حول هذا الموضوع أكدت أن الأشخاص السعداء أقل معاناة من الأمراض وبالتالي فهم أكثر قابلية ليعيشوا حياة فعالة  من غيرهم. يقول الباحثون لا يكمن الإنسان فيما يحدث له وانما يمكن في موقفه تجاه ما يحدث وطريقة تعامله معه ومدى سماحه له بالتأثير عليه.
د. كارلتون سيمنتون(٦) من السباقين لاكتشاف طبيعة تأثير التفاؤل على الصحة وتتلخص نتائج بحوثه
         كلما شعر الشخص بالضيق أو الضغط زاد احتمال تعرضه للمرض.
         والأهم أن من يحدد مستوى الضغط الاننفعالي للشخص  هو موقف الشخص نفسه تجاه ضغط ظروف الحياة ، فمن الظاهر أن الأحداث السلبية لا تبعث على القلق بطبيعتها ، ولكن منظور الشخص إزاء ها هو ما يجعلها تبدو (٧)
إيليا أبو ماضي شاعر التفاعل
        لم يعرف في القرن العشرين شاعر كان أكثر تفاؤلا ودعوة إلي الإقبال على الحياة من إيليا أبي ماضي. اشتهر شعره بالتفاؤل والبهجة والإقبال على الحياة ما عدا قصيدته "الطلاسم" التي غلب عليها الإحباط . يسميه النقاد: شاعر الأمل والتفاؤل. إنه نزع إلى البسمة وأولد الضحكة وجهد لرسم الفرحة كوكبا متألقا على الثغر. وفي وصف شخصية إيليا أبي ماضي قال د.عبد المجيد الحر: " أما أبو ماضي الواضح المعالم،الصافي الرؤي، فهو الشاعر المغني،طرب الدنيا وأناشيدها المفرحة ليبعث في نفوس القراء زهوة المسرة والفرحة بعيدا عن التوقع في زاوية الإنعزال والنسيان.وهذه الإيقاعات العذبة السابحة في خيال الإيناس،ودفع الآخرين إلي رياض التفاؤل بالغد المشرق الريان"(٨)
وهو لبناني الأصل ولد في عام ١٨٨٩م في بلدة المحيدثة – المتن الشمالي بلبنان في عائلة متواضعة الحال، تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة المحيدثة، ثم انتقل إلي مصر وظل بها إحدى عشرة سنة يشتغل في التجارة . ومن هناك قرض الأشعار وظهر أول ديوان له باسم " تذكار الماضي". ثم هاجر إلى أمريكا والتحق برفاقه من أصحاب الرابطة القلمية أمثال جبران ونعيمة ونسيب عريضة.
الأفكار الرئيسية  في قصيدة "فلسفة الحياة"  
الأولى : سلامة النفوس أساس المسرة
        الإنسان هو الذي يضيق عيشه بيده، يشيع جو الحزن والكآبة حوله، بما يصور لنفسه من سيئات الحياة وشرورها، يفكر في الأمس وبلائه وفي الغد وظلمه، فعليه أن يتخلص من هذه الهموم الثقيلة التي تنشر في حياته الحزن والسواد والقلق والخوف، فنفس الإنسان هي التي تعكس له الحياة، إمّا نقية جميلة، وإمّا كدرة قبيحة، فالعبرة بالنفوس لا بقيم الأشياء في ذاتها، فمن كانت نفسه سليمة جميلة رأى الحياة سارة بهيجة، ومن كانت نفسه مريضة كئيبة رآها مشوهة كريهة كما يقال " الجسم السليم في النفس السليمة" يقول الشاعر:
        إنّ شرّ الــجناة في الأرض نفس                      تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
        والذي نفسه بغير جمال                               لا يرى في الوجود شيئا جميلا
الثانية : التفكير الإيجابي
يدعو الشاعر الإنسان إلى التفكير الإيجابي والانتصار به على كل ما يواجهه في الحياة من تحديات وصعوبات. يؤكد أنه لا يوجد رجل أشقى ممن يرى العيش مرا، وأن أحكم الناس أناس يحسنون التعليل للحوادث. ولذلك ضع كل ما سبب لك الأذى والازعاج في الماضي وراء ظهرك، فالتركيز على تلك الأمور سيجعلك تشعر بالمرارة والحسرة ويمنعك من متابعة حياتك بشكل طبيعي، وبدلا من ذلك تذكر كل ما هو إيجابي وجميل من الماضي. ومن المهم أن تتذكر أيضا أن ماضيك لا يحدد مستقبلك وقد لا يكون الماضي من صنع يديك ولكن المستقبل يجب أن يكون كذلك.ومن أقواله
ليس أشقى مّمن يرى العيش مرا              ويظنّ اللّذات فيه فضولا
أحكم النّاس في الحياة أناس                   عللّوها فأحسنوا التّعليلا
الثالثة :الإنتباه بالتفاؤل في الطبيعة  
        يستدل الشاعر بنماذج من التفاؤل في الطبيعة ويدعو إلى الإنتباه به، وذلك أن الطيور التي تتحلق في السماء أدركت بفطرتها حقيقة أمرها وفهمت قيمة الحياة واستمتعت بالروابي، وهذه الطيور لا تعبأ بالصائدين  وتستمر في استمتاعها وهي تعلم أن عمرها لن يتعدي إلا أشهرا قليلة من العام، ومن العيب عليك أيها المتشاءم أن تظل جاهلا بفطرتك.فالتمس في حياتك كلما يسعدها واترك كلام الناس غير النافع الذي يبعدك عن اكتساب الجمال من حولك .
أدركت كنهها طيور الرّوابي          فمن العار أن تظل جهولا
تتغنّى، والصّقر قد ملك الجوّ          عليها ، والصائدون السّبيلا
تتغنّى ، وعمرها بعض عام           أفتبكي وقد تعيش طويلا؟
الرابعة : الاعتزاز والقناعة
يبين الشاعر أن الحياة ليست مكانا للشقاء الإنساني حيث أن الإنسان مصيره إلى التراب مهما كان ملكا أو عبدا .ويدعو المتشائم بالاستمتاع بكل لحظة تمر عليه فإذا وجد بقعة ظليلة وقت الهجير فليستظل بها ولا يفكر في كون الظل سيتحول عنها. تظهر الدنيا من حوله زاهية مشرقة، وإن ادلهمت من جانب فلا تلبث أن تضيء وتنير من جانب آخر.فليمرح ولينعم باللحظة التي هو فيها، وليطرح كل همّ عن ظهره، وليطرد خوف الموت عن نفسه، إنه لم يأت للحياة ليشقى ويجمع الهموم على صدره.
        أنت للأرض أولا وأخيرا                      كنت ملكا أو كنت عبدا ذليلا
        وإذا ما وجدت في الأرض ظلاّ               فتفيّأ به إلى أن يحولا
        ما أتينا إلى الحياة لنشقى                      فأريحوا ، أهل العقول، العقولا
        كلّ من يجمع الهموم عليه                     أخذته الهموم أخذا وبيلا
الخامسة: تحسين المعاملات الإجتماعية
وفي أواخر قصيدته يدعو إلى النهوض بنشر السعادة بين الناس لأنّ السعادة إحساس متبادل بينهم . يطلب من الإنسان أن يكون مثل العصفور الذي يتغني سعيدا في كل وقت حتى وهو محبوس في القفص، و  النهر الصافي الذي يسقي الحقول على جانبيه فيحيي الأرض ويبث فيها السعادة فيشرق بالأمل في الأخر، و نسمة الفجر العليلة التي تمتع الطبيعة والزهور بالشم والتقبيل،وكوكب منيريسري الغابات والنهر والربى والسهول في وقت الليل كما يطلب أن لا يكون متشائما كالغراب الذي قبل الذل باحثا عن دودة الأرض طعاما له أو كالبومة التي تنعب ليلا باكية على الأطلال،والإناء الذي حبس فيه الماء حتى صار راكدا نتنا يستحيل الانتفاع به ،والرياح الحارة المحملة بالغبار فتملأ الأرض خوفا ورهبة وصياحا وعويلا ،والظلام الحالك الذي يكره العالم بأسره فيغطيه بالأستار كأنه الميت.ثم يدعو الشاعر هذا الإنسان بأن يجعل الجمال في نفسه فسيرى الوجود جميلا ويسعد به دون شقاء حيث قال" كن جميلا ترى الوجود جميلا" . استخدم الشاعر كلمات العصفور والنهر الصافي والنسيم والكوكب كناية عن الرجل السعيد الذي يتعامل مع الناس ويقضي الأوقات لخدماتهم ويلقي إليهم أقوال الهدوء والسلام ويرشدهم إلى الطريق السويّ.  ومن سطوره:
كن هزارا في عشّه يتغنّى                     ومع الكبل لا يبالي الكبولا
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا           فيسقي من جانبيه الحقولا
لا وعاء يقيّد الماء حتى                       تستحل المياه فيه وحولا
كن مع الفجر نسمة توسع                     الأزهارشمّا وتارة تقبيلا
لا دجى يكره العوالم والنّاس          فيلقي على الجميع سدولا
مقترحات القصيدة لتقوية التفاؤل
        وعند إجالة النظر في دخائل هذه القصيدة نجد اقتراحات تساعد على استقامة الحياة وابعاد الأفكار السلبية  ،منها ما يأتي:
- إجعل الجمال من عناصرالنفس
- باعد عن الانفراد والعزلة
- التمس السعادة من الطبيعة
- تمسك بثقة النفس والإرادة
- إجعل التفكير إيجابيا
- اكتف بالنصيب من المعيشة
- أترك القال والقيل
- غير النظرة نحو الوقائع والحوادث
- اعتز بالنفس
- قدر قيمة الحياة
- ارتكز على الحل عند المصيبات
- أطرد الأفكار المسيئة والسلبية
 - كف عن المبالغة عند مواجهة المشكلات
- أرسم تخطيطا للحياة المستقبلة
- اعتمد على الصبروالكفاح
- اٍعتصم بالأمل والرجاء
 - حدد الأحلام
- إلزم الإنطلاق والإبتسام
- أحسن المعاملة مع الناس
- قم بمساعدة الآخرين
الخاتمة
        جمعت هذه القصيدة كثيرا من مبادئ علم النفس ونظرياته التي أقبل عليها علماء نفسانى فيما بعد. وفي الحق أنّ قصيدة " فلسفة الحياة" لإيليا أبي ماضي تنعكس فيها شعور قلبه وخواطر نفسه من التفاؤل والأمل في الحياة. ينصح الناس بملازمة الموقف الإيجابي عند المحن والأزمات، وبتغيير النظرة نحو الحوادث لأن الإنسان لا يقدر أن يغير الواقع، كما ينصح إزالة الأفكار السلبية. فالأفكار السلبية هي التي تجعل الحياة تعسة ويائسة.

الملحقات
(١) ليونل تايجر عالم نفساني أمريكي،ولد ٥ فبراير ١٩٣٧ في كيوبا
(٢) د فضيلة عرفات – مقالة "التفاؤل والتشاؤم مفهومها أسبابها والعوامل المؤثرة فيها" ، مركز النور للدراسات. ١٢-٣-٢٠٠٩
(٣) د بدر محمد الأنصاري- التفاؤل والتشاؤم المفهوم والقياس والمتعلقات،لجنة التأليف والتعريب والنشر، جامعة الكويت ١٩٩٨ ،ص ١٣ نقلا عن ابن السكيت- الألفاظ
                                                                                      Charles S. Carver – Optimism: Definition and History Research Article 1998 page 1(٤)
(٥) د بدر محمد الأنصاري- التفاؤل والتشاؤم المفهوم والقياس والمتعلقات،لجنة التأليف والتعريب والنشر، جامعة الكويت ١٩٩٨ ،ص ١٦
(٦) كارلتون سيمنتون: هوالمدير الطبي لمركز بحوث استشارة الأورام بفورت ورث (تكساس)
(٧)  المدرب عبد الرحمن يوسف-شرائح العرض من موقع www.manara-lat.com
(٨)  د.عبد المجيد الحر- إيليا أبو ماضي باعث الأمل ومفجر ينابيع التفاؤل،دار الفكر العربي بيروت ١٩٩٥  ص ١٣٧

المصادر والمراجع
(١) د.عبد المجيد الحر- إيليا أبو ماضي باعث الأمل ومفجر ينابيع التفاؤل،دار الفكر العربي بيروت ١٩٩٥ 
(٢) د بدر محمد الأنصاري- التفاؤل والتشاؤم المفهوم والقياس والمتعلقات، جامعة الكويت ١٩٩٨
(٣)الخوري-إيليا أبو ماضي شاعر الجمال والتفاؤل والتساؤل،بيت الحكمة،الموصل ١٩٨٢
(٤) إيليا أبو ماضي-ديوان أبي ماضي،دار العودة بيروت ١٩٧٥
(٥) نادرة سراج-شعراء الرابطة القلمية،دار المعارف،مصر ١٩٥٧
(٦) د سعد دعبيس-قضايا الشعر المعاصر،دار الفكر العربي،القاهرة ١٩٨٥
(٧) شوقي ضيف- دراسات في الشعر العربي المعاصر، دار المعارف - القاهرة ١٩٦٣
(٨) د.محمود شوكت،د رجاء محمد-مقومات الشعر العربي الحديث والمعاصر، دار الكتاب الحديث الكويت ص ٢٣١